على الأَكُف

يقول المذيع مشيراً بكفه -كما تخيلته- قائلا: “البلاد على كف عفريت”، وتروح كف أخي مغلقة المذياع إذ هو على يقين ان ابي لا يريد سماع المزيد لكن كفيه اللذين لم يمسا المقود لسنة او يزيد -لأننا لا نملك سعر الوقود- ملتصقتان بمقود السيارة اليوم تودعانه قبل بيعها، وذلك مذ ركبنا السيارة بعد ان دخلنا إلى الدكان وأشار العم وربت بكفه على دفتر الحسابات فما كان من أبي إلا أن أخذ نصف ما ملأته أكفنا من الدقيق والسكر.. والنصف..
النصف الذي أخذه لم يحرك شيئاً من كفة الميزان ذا الثقل الواحد لذا زاد الدقيق قليلاً عله يكفي رغيف اليوم والغد ومد كفه التي كادت أصابعها تتشابك ببعضها البعض أو ربما تخرق بطانة جيبه التي خاطتها كف أمي عشرات المرات بحثاً عن بعض القروش التي قد تردع كف العم نجيب عن الدفتر.. فالكتابة على الدفتر هي كف العفريت الآخر وهو مخيف أكثر بكثير من ذاك الأول الذي يخشاه المذيع.. فإن كان الأول يعبث بالبلاد.. فالآخر ييتم العباد..
ويا للمصادفة إذ الكفان لذات العفريت المختبئ تحت سريري (سابقاً) ولا أظنه كان ليغضب إلى هذا الحد لو أن العم نجيب لم يجبر كفَّي أمي المهترئين من الخياطة والتنظيف والعجن والكي لنسوة الحي على بيع سريري لأن كل ما سبق لم يسد الدين.. أو حتى يسد فمه.. مما أدى لإجبار العفريت على البقاء مستيقظاً شريداً بلا مأوى لأن الخزانة كانت قد بيعت في الشهر الذي سبق السرير.. وربما اضطر على العبث بالبلاد ليأمن إن نام على الرصيف قليلاً فالعفاريت قبل ان يبيع الكل أسرتهم وخزاناتهم لم يدون التاريخ انهم ناموا خارج الخزانة او السرير .. وربما تتساءلون إن كان الكل باع فمن الشاري؟!.. الخباز ..أو ربما الحداد حتى.. إذ تُشترى حطباً.. أما إن تساءلتم متى بدأ كل هذا؟.. فأنا مع الأسف لا أملك إجابة دقيقة فمنذ أول ذكرى في حياتي لم تربط أمي لي شعري خوف أن يعلق في كفيها الممتلئان بالتشققات الخشنة التي تشبه قعر بئرنا العطشى.. مع اني كلما وقفت بين كفي ربي دعوت ان تتعافى.. حتى وإن كانت لن تربط لي شعري بعد التعافي.. أما متى ينتهي كل هذا؟!..
فهو يوم لا أربط لأمي شعرها قبل شعري في الصباح الباكر.. إما لاستجابة الدعوة.. وإما لأنها رفعت روحها مع كفيها..أثناء الدعاء

26\4\2021

!.شارك مع أصدقائك

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on email
Email
Share on whatsapp
WhatsApp

Leave a Reply

المزيد للقراءة

عصفورة

عصفورةٌ طارت إليَّ تبخترا…ألقت سلاماً بالحياءِ تخمرا من حلوةٍ ذاب الفؤاد بحبها…شقراءُ تخفي في عيونها أبحرا كالبدر إن طلَّت أنار جمالها…والجمع ُإن تبدو يصيح مكبرا

...تابع القراءة

الرمادي

..أكره اللون الرمادي بشدة..أكرهه من أعماق أعماق قلبي عاهدت نفسي أن لا أقحم الكره في قلبي ما حيّت لكنه نجح باعجوبة بكسر عهدي..لربما ليس ذنبه

...تابع القراءة